Friday, January 31, 2020

كيف تتخلص من التسويف في حياتك من خلال إدارة مشاعرك قبل إدارة وقتك؟

يمكنني القول إنني - مثل كثير من الكُتّاب الآخرين - خبير مخضرم في التسويف والمماطلة . فما أن يكون عليّ الانتهاء من مهمة ما في وقت بعينه، حتى أجد نفسي منهمكا في مشاهدة مقابلات سياسية لا معنى لها، أو متابعة مقاطع مصورة تتضمن أبرز لحظات بعض مباريات الملاكمة.

وفي أسوأ الحالات، لا تتعدى عواقب انغماسي في هذه الأنشطة سوى أن أشعر بمس من الجنون قليلا، وأقول لنفسي: "يجب عليك أن تعمل. ما الذي تفعله إذا بحق السماء؟"

وإذا اتبعنا أسلوب التفكير التقليدي، الذي لا تزال تتبناه الكثير من الجامعات والمراكز البحثية في مختلف أنحاء العالم في التعامل مع مسألة المماطلة والتسويف، سنجد أن تفسير حدوث ذلك، يتمثل في أنني - وغيري ممن يماطلون - نعاني من مشكلة في إدارة الوقت. وأنني - من هذا المنظور - أعجز عن أن أُقّدر بدقة الفترة التي يتطلبها إنجازي للمهمة المنوطة بي، وأنني لا أولي كذلك اهتماما كافيا، للوقت الذي أهدره في تصفح الإنترنت لأغراض لا تتعلق البتة بالعمل.

ووفقا لتلك الطريقة في التفكير أيضا، لا يحتاج الكف عن المماطلة، إلا إلى وضع جدول زمني أكثر إحكاما لأداء المهام المنوطة بالمرء، وكذلك التحكم بشكل أكبر في الوقت المتاح له لإنجاز ذلك.

لكن علماء النفس باتوا يرون الآن - وعلى نحو متزايد - أن هذه النظرية خاطئة. من بين هؤلاء تيم بايتشيل من جامعة كارلتون الكندية ومساعدته في أنشطته البحثية فيوشيا سيرويس من جامعة شفيلد البريطانية. إذ يقول الاثنان إن المماطلة ترتبط بعدم القدرة على التحكم في مشاعرنا والسيطرة عليها، لا بكيفية إدارتنا للوقت. فربما تكون المهمة التي نُرجئ إنجازها مزعجة بالنسبة لنا، كأن تكون مملة أو شديدة الصعوبة. أو قد تتمثل المشكلة، في أننا نشعر بالقلق من إمكانية أن نُمنى بالفشل فيها. ولكي نبدد هذا الشعور بالانزعاج - ولو لفترة مؤقتة - نُؤْثِر الشروع في القيام بشيء آخر، مثل مشاهدة مقاطع الفيديو.

وقد أدى تبني هذه النظرة المختلفة في التعامل مع مسألة المماطلة، إلى فتح الباب أمام ظهور طرق جديدة لتقليص مرات حدوثها. ومن شأن اتباع هذه الطرق مساعدة المرء على تحسين الأسلوب الذي يؤدي به عمله.

ويقول بايتشيل في هذا الإطار إن تغيير الإنسان لطباعه بمحض إرادته "ليس بالشيء البسيط. فالأمر هنا يمضي عادة تبعا للقول المأثور القديم: خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الخلف". لكنه يستطرد بالقول: "رغم كل ذلك، أنا واثق من أن بمقدور الجميع تعلم كيفية الكف عن التسويف والمماطلة".

في مطلع العقد الأول من القرن الحالي، نشر باحثون في جامعة كيس وسترن ريزرف بولاية أوهايو الأمريكية، إحدى بواكير الدراسات الاستقصائية، التي اسْتُوحيت منها فكرة وجود علاقة بين المماطلة والتحكم في المشاعر.

ففي البداية، دفع الباحثون أفراد عينة الدراسة للشعور بالانزعاج، عندما طلبوا منهم قراءة قصص حزينة. وتبين أن ذلك أدى إلى ازدياد ميلهم إلى المماطلة في القيام بما هم مكلفون به، وذلك من خلال الانهماك في أنشطة أخرى مثل حل الألغاز وممارسة ألعاب الفيديو، بدلا - مثلا - من الاستعداد لاجتياز اختبار ذكاء، كانوا يعلمون أنهم بصدد الخضوع له.

وأظهرت دراسات لاحقة أجراها فريق الباحثين نفسه، أن تدني الحالة المزاجية، يزيد النزوع للمماطلة حال وجود شرطين، أولهما توافر أنشطة ممتعة يمكن لأفراد العينة الانخراط فيها للتلهي بها عن القيام بالمهام الأصلية الموكولة إليهم. أما الشرط الثاني، فهو أن يعتقد أفراد عينة البحث أن من شأن القيام بهذه الأنشطة، تحسين حالتهم المزاجية.

وتبدو هذه النظرية منطقية. ففي حالتي مثلا، لا أماطل في إنهاء ما أنا مُكلف به، لأنني لا أُقدّر بدقة الوقت الذي أحتاج إليه لإنجازه، فأنا أعلم أنه يتعين عليّ - على سبيل المثال - الشروع فيه فورا. كما لا تعود مماطلتي كذلك، لكوني لم أختر الوقت المناسب لمشاهدة مقاطع الفيديو، التي أدت لتأخير إنهائي لعملي. إذ أنني لا أريد مشاهدتها في واقع الأمر، بل انجذبت إليها بهدف تجنب الشعور بالانزعاج، الذي سيترتب على شروعي في الانهماك في العمل.

وإذا استخدمنا هنا مصطلحات علماء النفس، يمكننا القول إنني أماطل لكي أحقق "تحولا ينطوي على الشعور بمتعة" على المدى القصير، على حساب تحقيق أهدافي بعيدة المدى.

في الوقت نفسه، تساعد النظرية الخاصة بوجود أسس نفسية للمماطلة، على تفسير أسباب بعض الظواهر الغربية التي شهدناها مؤخرا، مثل الهوس بمشاهدة المقاطع المصورة للقطط على شبكة الإنترنت، والتي حظيت بمليارات المشاهدات على الـ "يوتيوب".

فقد أظهرت دراسة استقصائية أجرتها الباحثة جيسكا مايريك من كلية الإعلام بجامعة إنديانا، أن المماطلة تشكل أحد الدوافع الشائعة لمشاهدة تلك الفيديوهات، وأن القيام بذلك يعزز الحالة المزاجية الإيجابية. وأشارت الدراسة إلى أن المتصفحين شاهدوا تلك المقاطع لكي يشعروا بأنهم في حالة مزاجية أفضل، وذلك عندما يكون من الواجب عليهم فعل شيء آخر، أقل إمتاعا.

وسلطت الدراسة، التي أجرتها مايريك، الضوء كذلك على جانب آخر يتعلق بالارتباط بين العجز عن التحكم في المشاعر والمماطلة، إذ تبين أن الكثير من أفراد عينة هذا البحث، قالوا إنهم شعروا بالذنب بعدما شاهدوا فيديوهات القطط تلك. ويوضح ذلك كم يمكن أن تصبح المماطلة استراتيجية عاطفية مُضللة، فهي قد تفضي إلى الشعور بالراحة على المدى القصير، بينما تقود في واقع الأمر إلى إرجاء المشكلات ومراكمتها، كي يواجهها المرء فيما بعد.

No comments:

Post a Comment